الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
264- ذكر فيه مالك عن زيد بن أسلم عن بسر بن محجن الديلي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له إذ لم يصل معه وجلس مجلسه ما لك لم تصل مع الناس ألست برجل مسلم قال بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت لم يختلف رواة الموطأ عن مالك في اسم هذا الرجل أنه بسر لا بشر بن محمد فإنه رواه عن مالك وقال فيه فقيل لمالك بسر فقال عن بسر أو بشر ثم حدثنا به بعد ذلك فقال عن بن محجن ولم يقل بسر ولا بشر وروى الثوري هذا الحديث فقال فيه بشر بالشين المنقوطة في أكثر الروايات عن الثوري. وقال أحمد بن صالح المصري سألت جماعة من ولده أو رهطه فما اختلف علي منهم اثنان أنه بشر كما قال الثوري وفي هذا الحديث وجوه من الفقه منها قوله صلى الله عليه وسلم للذي لم يصل معه ألست برجل مسلم فدل على أن من لم يصل ليس بمسلم ومن صلى الصلاة مواظبا عليه شهد له بالإسلام ومنها أن من أقر بعمل الصلاة وإقامتها على ما يجب وكل إلى قوله وقبل منه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبل من بن محجن الديلي قوله قد صليت في بيتي وأجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك واختلفوا في المقر بها وبفرضها التارك عمدا لعملها وهو على القيام بها قادر فروى عن علي وبن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة قالوا من لم يصل فهو كافر وعن عمر بن الخطاب لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وعن بن مسعود من لم يصل فلا دين له وقال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها لغير عذر وأبي من أدائها وقضائها وقال لا أصلي فهو كافر ودمه وماله حلالان إن لم يتب ويراجع الصلاة ويستتاب فإن تاب وإلا قتل ولا ترثه ورثته من المسلمين وحكم ماله حكم مال المرتد إذا قتل على ردته وبهذا قال أبو داود الطيالسي وأبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة قال إسحاق هو رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا قال إسحاق وينتظر تارك الصلاة إذا أبى من أدائها وقضائها في استتابته حتى يخرج وقتها وخروج وقت الظهر بغروب الشمس وخروج وقت المغرب بطلوع الفجر قال إسحاق وقد أجمع المسلمون أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله تعالى أو قتل نبيا من أنبياء الله تعالى أنه كافر بذلك وإن كان مقرى بكل ما أنزل الله فكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عامدا أبيا من قضائها وعملها وإقامتها قال ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع قالوا من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة في أوقاتها ولم يعلموه أقر بلسانه أنه يحكم له بالإيمان ولم يحكموا له في الصوم والزكاة والحج بمثل ذلك قال إسحاق ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة التي أمر بسجودها قال فكذلك تارك الصلاة. وقال أحمد بن حنبل لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا ثم ذكر استتابته وقتله وحجة هؤلاء ومن ذهب مذهبهم ما روي من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكفير تارك الصلاة منها حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك إلا ترك الصلاة وحديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وقوله صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة حبط عمله وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة حشر مع قارون وفرعون وهامان وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم وبآثار كثيرة في معنى هذه قد ذكرناها في التمهيد مع ما قدمنا عن الصحابة المذكورين من أقوالهم في هذا الباب واحتج إسحاق في ذلك أيضا بحجج قد ذكرتها في التمهيد. وأما الشافعي رحمه الله فقال بقول الإمام لتارك الصلاة صل فإن قال لا أصلي سئل فإن ذكر علة بجسمه أمر بالصلاة على قدر طاقته فإن أبى من الصلاة حتى يخرج وقتها قلته الإمام وإنما يستتاب ما دام وقت الصلاة قائما يستتاب في أدائها وإقامتها فإن أبى قتل وورثه ورثته وهو قول مالك رحمه الله وأصحابه قال بن وهب سمعت مالكا يقول من آمن بالله وصدق المرسلين وأبى أن يصلي قتل وبه قال أبو ثور وهو قول مكحول وحماد بن زيد ووكيع وكل هؤلاء إذا قتل أن لا يمنع ورثته من ميراثه لأنه لا يقتل على الكفر إن كان مقرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والشرائع ودين الإسلام ومقر بفرض الصلاة والصيام إلا أنه يأبى من أدائها وهو مقر بفرضها ومؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ومن حجة من ذهب هذا المذهب فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جماعة الصحابة لأنهم رجعوا إلى قوله حين قال له عمر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله عصم مني دمه وماله إلا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر من حقه الزكاة والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة قال عمر فما هو إ لا أن سمعت ذلك منه فعلمت أن الله قد شرح صدره للحق فقاتل أبو بكر والصحابة معه مانعي الزكاة لما أبوا من أدائها إذ فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقاموا الصلاة وامتنعوا عن الزكاة فمن أبى من إقامة الصلاة وامتنع منها كان أحرى بالقتل ومعلوم أن هؤلاء من بين أهل الردة لم يكفروا بعد الإيمان ولا أشركوا بالله وقد قالوا لأبي بكر ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا وذلك بين في شعر شاعرهم حيث يقول: أطعنا رسول الله ما كان بيننا *** فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر فإن التي سألوكموا فمنعتموا *** لكالتمر أو أشهى إليهم من التمر وأما توريث ورثتهم منهم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ولي الخلافة رد إلى هؤلاء ما وجد من أموالهم قائما بأيدي الناس وكان أبو بكر قد سباهم كما سبى أهل الردة وقال أهل السير إن عمر رضي الله عنه لما ولي أرسل إلى النسوة اللاتي كانوا المسلمون قد أحرزوهم من نساء مانعي الزكاة فيما أحرزوا من غنائم أهل الردة فخيرهن بين أن يمكثن عند من هن عنده بتزويج وصداق أو يرجعن إلى أهليهن بالفداء فاخترن أن يمكثن عند من هن عنده بتزويج وصداق وكان الصداق الذي جعل لمن اختار أهله عشر أواقي لكل امرأة والأوقية أربعون درهما ومن حجة مالك والشافعي في ذلك أيضا حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا الخمس فدل أنهم لا يقاتلون ولا يقتلون إذا صلوا الخمس ودل ذلك على أن من لم يصل الخمس قوتل وقتل وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وقوله صلى الله عليه وسلم في مالك بن الدخشم أليس يصلي قالوا بلى ولا صلاة له فقال أولئك الذين نهاني الله عنهم أو عن قتلهم فدل على أنه لو لم يصل لم يكن من الذين نهاه الله عن قتلهم بل كان يكون من الذين أمره الله بقتلهم وقال صلى الله عليه وسلم إني نهيت عن قتل المصلين فدل ذلك على أنه قد أمر بقتل من لم يصل كما نهى عن قتل من صلى وأنه لا يمنع من القتل إلا فعل الصلاة والله أعلم قالوا فهذا كله يدل على القتل ولا يدل على الكفر وتأولوا في الآثار التي ورد ظاهرها بتكفير تارك الصلاة ما تأولوا في زنى المؤمن وسرقته وشربه الخمر وانتهابه النهبة التي يرفع الناس إليه فيها رؤوسهم بقوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الحديث وما كان مثله وتفسيقه وسبابه والرغبة عن الآباء وضرب بعضهم رقاب بعض والحكم بغير ما أنزل الله وما كان مثل هذا روى بن عيينة عن هشام بن حجر عن طاوس عن بن عباس أنه قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ثم تلا (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون) [المائدة 44]. فلهذا كله وما كان مثله ورثوا من تارك الصلاة إذا قتلوه ورثته وقد زدنا هذه المسألة بيانا بضروب من الشواهد في التمهيد وقال إسماعيل القاضي لم ير مالك استتابة القدرية وسائر أهل الأهواء وقتلهم إن لم يتوبوا من جهة الكفر وإنما رأى قتلهم من جهة الفساد في الدين لأنهم أعظم فسادا من المحاربين حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال أخبرنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثني علي بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء سعيد بن حفص البخاري قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن بن عباس ولا أظنه إلا رفعه قال عرى الإسلام ثلاث بني الإسلام عليها من ترك منهن واحدة فهو حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان قال بن عباس نجده كثير المال ولا يزكي فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه ونجده كثير المال ولا يحج فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه ومنها قوله ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الحديث وما كان مثله وفي تارك الصلاة قول ثالث قاله بن شهاب وغيره روى شعيب بن أبي حمزة عن بن شهاب أنه سئل عن تارك الصلاة فقال إذا ترك الرجل الصلاة لأنه ابتدع دينا غير الإسلام قتل وإن كان إنما فعل ذلك فسقا ومجونا وتهاونا فإنه يضرب ضربا مبرحا ويسجن حتى يرجع قال والذي يفطر في رمضان كذلك قال أبو جعفر الطحاوي وهو قولنا وإليه ذهب جماعة من سلف الأمة منهم أبو حنيفة وأصحابه قال أبو عمر يقول داود ومن اتبعه وحجة هؤلاء ومن قال بقولهم قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ثم قال ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة وقال صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وإني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها قالوا وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حقها فقال لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بنفس يعني قودا وقد بسطنا هذه المسألة في التمهيد بسطا شافيا وذكرنا أقوال سائر أهل القبلة فيها والحمد لله وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن من صلى في بيته ثم دخل المسجد فأقيمت عليه تلك الصلاة أنه يصليها معهم ولا يخرج حتى يصلي وإن كان قد صلى في جماعة أهله أو غيرهم لأن في حديثنا في هذا الباب قوله بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتيت فوجدت الناس يصلون فصل معهم وإن كنت قد صليت واحتمل قوله صليت في أهلي أي في جماعة أهلي ويحتمل أن يكون صلى في بيته وحده وقد اختلف العلماء في هذا المعنى فقال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في الجماعة من صلى وحده في بيته وأهله أو في غير بيته. وأما من صلى في جماعة وإن قلت فإنه لا يعيد في جماعة أكثر منها ولا أقل وكل من صلى عندهم مع آخر فقد صلى في جماعة ولا يعيد في أخرى قلت أو كثرت ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة أو رابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفي فساده وممن قال بهذا القول مالك بن أنس وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم ومن حجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصلى صلاة في يوم مرتين ومنهم من يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين رواه سليمان بن يسار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وحملوه على من صلى في جماعة لا يعيدها في جماعة واستعملوا الحديثين جميعا كلا على وجهه. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي جائز لمن صلى في جماعة ووجد جماعة أخرى في تلك الصلاة أن يعيدها معهم إن شاء لأنها نافلة وسنة وقال بعضهم إذا كانت صلاة يجوز بعدها نافلة وروي مثل ذلك من إعادة الصلاة في جماعة لمن صلاها في جماعة عن حذيفة بن اليماني وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك وصلة بن زفر والشعبي والنخعي وبه قال حماد بن زيد وسليمان بن حرب وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد وذكرنا الحجة لهم وعليهم هناك والحمد لله واتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصلوا صلاة في يوم مرتين أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضا قالا. وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها له نافلة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره بذلك وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أمرهم بإعادة الصلاة في جماعة إنها لكم نافلة فليس ذلك ممن أعاد الصلاة في يوم مرتين لأن الأولى فريضة والثانية نافلة واختلف الفقهاء أيضا فيما يعاد من الصلوات مع الإمام لمن صلاها وحده فقال قوم يعيد الصلوات كلها مع الإمام من صلاها وحده إلا الصبح والمغرب. 265- ذكر مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما وهو قول الأوزاعي والحسن البصري وسفيان الثوري. وقال مالك وأصحابه يعيد الصلوات كلها من صلاها وحده إلا المغرب وحدها وهو قول أبي موسى الأشعري والنعمان بن مقرن وأبي مجلز وطائفة روى حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال ضليت الفجر ثم أتيت المسجد فوجدت أبا موسى الأشعري يريد أن يصلي فجلست ناحية فلما صلى قال ما لك لم تصل قلت إني قد صليت قال إن الصلاة كلها تعاد إلا المغرب فإنها وتر صلاة النهار وحماد عن حميد عن أنس عن الأشعري والنعمان بن مقرن مثله وحماد عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال الصلوات كلها تعاد إلا المغرب فإنها وتر. وقال مالك تعاد الصلوات كلها إن صلاها وحده إلا المغرب وحدها فإنه لا يعيدها لأنها تصير شفعا كذلك قال في موطأه وفي رواية قال مالك ومن صلى في جماعة ولو مع واحد فإنه لا يعيد تلك الصلاة إلا أن يعيدها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الحرام أو مسجد بيت المقدس قال مالك فإن دخل الذي صلى وحده المسجد فوجد القوم جلوسا في آخر صلاتهم فلا يدخل معهم وإنما يدخل معهم من علم أنه يدري من صلاتهم ركعة بسجدتيهما. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يعيد المصلي وحده مع الإمام العصر ولا الفجر ولا المغرب ويعيد معه الظهر والعشاء ويجعل صلاته مع الإمام نافلة قال محمد بن الحسن لأن النافلة بعد الصبح والعصر لا تجوز ولا تعاد المغرب لأن النافلة لا تكون وترا في غير الوتر قال أبو عمر احتج بهذا بعض أصحابنا لمالك في قوله لا تعاد المغرب وهو أصح من قوله تكون شفعا وقد تقدم القول في صلاة الليل مثنى مثنى وقوله لا وتران في ليلة وهو المعنى الذي نزع به محمد بن الحسن في المغرب والعجيب من مالك رحمه الله يقول لأنها تصير شفعا وهو يحتج بقول بن عمر لا فصل أفضل من السلام فكيف وبعد السلام مشي وعمل فكيف تنضاف مع ذلك صلاة إلى أخرى ! ! وحجة من ذهب إلى قول بن عمر والأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين فيما ذكرت عائشة وقد روي عنها أنها قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر في بيتي قط وقالت أم سلمة ركعهما بعد العصر حين شغله الوفد عنهما قبل العصر وقد ذكرنا هذه الآثار فيما سلف من كتابنا فرأى بن عمر إعادة العصر لهذا ولأنه المذهب الذي كان يذهب إليه في النهي عن الصلاة بعد العصر أنه عند اصفرار الشمس وعند الطلوع وعند الغروب وقد ذكرنا مذهبه في ذلك والحجة له في باب النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر فيما تقدم من هذا الكتاب والحجة له ولغيره في المغرب ما ذكرنا في هذا الباب والحمد لله. وقال الشافعي من صلى وحده أعاد صلاته مع الجماعة إذا وجدها وأمكنته في تلك الصلاة والصلوات كلها في ذلك سواء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمحجن الديلي إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت ولم يخص صلاة من صلاة ولم يذكر عصرا ولا مغربا ولا صبحا قال والأولى هي الفريضة والثانية تطوع سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سن الوتر والعيدين وغيرهما وهو قول داود بن علي في إعادة الصلوات كلها في جماعة لأنه يرى الصلاة في الجماعة فرضا على ما تقدم عنه واختلف عن الثوري فروي عنه أنه يعيد الصلوات كلها مع الإمام كقول الشافعي وروي عنه مثل قول مالك سواء ولا خلاف عن الثوري أن الأولى فريضة والثانية تطوع. وقال أبو ثور يعيدها كلها إلا الصبح والعصر إلا أن يكون في مسجد فتقام الصلاة فلا يخرج حتى يصليها وحجته حديث أبي هريرة أنه رأى رجلا خارجا من المسجد إذا أقيمت الصلاة فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ونهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح 266267267 - وذكر مالك في هذا الباب أيضا عن نافع عن بن عمر وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب بمعنى واحد أن سائلا سال كل واحد منهما قال له إنه يصلي في بيته ثم يأتي المسجد فيجد الناس يصلون أيصلي معهم فقالا نعم قال السائل فأيتهما أجعل صلاتي فقالا ذلك إلى الله تعالى يجعلها أيتها شاء وذكر أصحاب مالك عن مالك أن هذا مذهبه لا يدري أي الصلاتين فلايضة ولا أيتهما هي النافلة وإنما ذلك إلى يجعلها أيتهما شاء هذه جملة حكاها أصحابه عنه لم يختلفوا عنه في ذلك واختلفوا عنه في مسائل تدل على المراد من ذلك واختلفت أجوبة أصحابه في تلك المسائل منها الرجل يحدث في الثانية مع الإمام ومنها أن يذكر أن الأولى كانت على غير وضوء ومنها أن يسقط من إحداهما سجدة ناسيا ولا يدري من أيتها أسقطها بما ذكرناه في كتاب اختلاف مالك وأصحابه والذي يتحصل عليه مذهبه عندي ما ذكره بن وهب في موطأه عن مالك قال قال مالك من أحدث في صلاته مع الإمام فصلاته في بيته هي صلاته وقد روى بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة قال سألت عبد الله بن عمر عن رجل صلى العصر ثم أعادها في جماعة أيتهما المكتوبة قال الأولى وهذه رواية عن بن عمر ظاهرها مخالف لما ذكره مالك عنه في الموطأ في قوله ذلك إلى الله لأنه في رواية بن أبي ذئب قطع بأن الأولى هي المكتوبة والثانية نافلة وفي رواية مالك شك فلم يدر أيتهما صلاته إلا أنه ممكن أن تكون الأولى وممكن أن تكون الثانية والنظر عندي يوجب ان تكون رواية مالك متقدمة لأنه لم يبن له حينئذ أيتهما صلاته ثم بان له بعد أن الأولى صلاته فانصرف من شكه إلى يقين علمه ومحال أن ينصرف من يقينه إلى شك فدل ذلك على أن قوله الأولى هي المكتوبة قد بان له فأفتى به فإن قيل كيف يكون عنده الأولى المكتوبة والثانية نافلة في العصر ولا نافلة بعد العصر قيل معلوم عن بن عمر أن التنفل بعد العصر جائز عنده ومذهبه أن العصر والظهر والعشاء تعاد عنده دون المغرب والصبح لمن صلى وحده وقد ذكرنا في التمهيد الروايات عن بن عمر في ذلك بالأسانيد واختلف في ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب كما اختلف عن بن عمر فروى همام عن قتادة قال قلت لسعيد بن المسيب إذا صليت وحدي ثم أدركت الجماعة فقال أعد غير أنك إذا أعدت المغرب فاشفع بركعة واجعل صلاتك وحدك تطوعا قال أبو عمر هذا شيء لا يعرف وجهه كيف يشفع المغرب بركعة وتكون الأولى تطوعا وقد أجمع العلماء على أن المغرب إذا نوى بها الفريضة لم يشفعها بركعة وما أظن الحديث والله أعلم إلا والأولى فرضه فإن صح ما ذكرناه عنه وهم من قتادة أو ممن دونه في الإسناد وقد ذكرنا الإسناد في التمهيد وقد كان جماعة من العلماء يضعفون أشياء من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب. وأما قول بن عمر وسعيد ذلك إلى الله فقد تأول فيه قوم منهم بن الماجشون وغيره أن ذلك في القبول كأنه قال أيتهما يتقبل الله مني فقالا له ذلك إلى الله لأنه قد يتقبل النافلة دون الفريضة ويتقبل الفريضة دون النافلة على حسب النية في ذلك والإخلاص مع أنه تعالى يتفضل على من يشاء من عباده بما شاء من رحمته وعلى هذا التأويل لا يتدافع قول من قال إن الفريضة هي الأولى مع قوله ذلك إلى الله تعالى وقد أجمع مالك وأصحابه على أن من صلى في بيته وحده أنه لا يؤم في تلك الصلاة غيره وهذا يوضح لك أن الأولى هي عندهم الفريضة على هذا جماعة أهل العلم حتى لقد قال إبراهيم النخعي من صلى صلاة وحده وقصد بذلك أداء فرضه وكتبت الملائكة الحفظة ذلك لم يستطع أحد أن يرده إلى نافلة أو نحو ذلك هذا معنى قوله واختارت طائفة من أصحاب مالك أن تكون الثانية فرضه لأنها صلاة جماعة ويأمرونه ألا يدخل مع الإمام إلا بنية الفرض وتأولوا في قوله صلى الله عليه وسلم للذين أمرهم أن يعيدوا الصلاة مع الإمام فإنها لكم نافلة قالوا نافلة ها هنا بمعنى فضيلة واحتجوا بقول الله عز وجل (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة [الأنبياء 72]. أي فضيلة وكذلك تأولوا في قول الله تعالى (ومن اليل فتهجد به نافلة لك [الإسراء 79]. أي فضيلة قالوا وإنما لم يؤم في تلك الصلاة أحدا لأنا لا ندري أي الصلاتين صلاته حقيقة فاحتطنا ألا يؤم أحدا خوفا من أن يكون الثانية تطوعا فيأتم به فيها من هي فريضته. 268- وأما حديثه في هذا الباب عن عفيف بن عمرو السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال إني أصلي في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه فقال أبو أيوب نعم صل معه فإن من صنع ذلك له سهم جمع أو مثل سهم جمع فقد رواه بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أنه سمع عفيف بن عمرو يقول حدثني رجل من أسد بن خزيمة انه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال أحدنا يصلي في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد فتقام الصلاة فيصلي معهم فقال أبو أيوب سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بذلك سهم جمع ولو استدل مستدل على سقوط فرض الجماعة وأنها مستحبة وسنة لا فريضة بهذه لآثار كلها وما كان مثلها عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن أصحابه فإنهم لم يقولوا لأحد ممن سألهم في إعادة الصلاة مع الإمام وقد صلى وحده بئس ما فعلت إذ صليت وحدك وكيف تصلي وحدك ولا صلاة لمن صلى وحده بل جميعهم سكت له عن ذلك وندبة إلى إعادة الصلاة للفضل لا لغيره والله يمن على من يشاء بفضله وتوفيقه وما قوله سهم جمع فقال بن وهب يضعف له الأجر قال أبو عمر هذا التأويل أشبه عندي من قول من قال إن الجمع هنا الجيش وإن له أجر الغازي وأجر الغزاة في سبيل الله وإن ذلك مأخوذ من قوله تعالى (فلما ترءا الجمعان [الشعراء 61]. يعني الجيشين وقول بن وهب في ذلك أصوب وقد ذكرنا في التمهيد الخبر عن المنذر بن الزبير أنه أوصى في وصيته فقال لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان سهم جمع قال مصعب بن عبد الله فسألت عبد الله بن المنذر ما يعني بسهم جمع قال نصيب رجلين وهذا يشهد لما قاله بن وهب وهو المعروف عن فصحاء العرب والله أعلم. 269- ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم بالناس فيخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك ولا يجوز لهم التطويل لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيا عن التطويل وقد بان في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة لأنه وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم ولذلك قال فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره وقد يحدث للظاهر القوة ومن يعرف منه الحرص على طول الصلاة حادث من شغل وعارض من حاجة وآفة من حدث بول أو غيره فينبغي لكل إمام أن يخفف جهده إذا أكمل الركوع والسجود قال أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس كلهم صلاة في تمام ولحديث أنس هذا طرق كثيرة وقد ذكرت بعضها في التمهيد ومن التمام ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نفر الغراب وقال اعتدلوا في ركوعكم وسجودكم ونظر إلى رجل لم يتم ركوعه ولا سجوده فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل وقال صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده وعنه صلى الله عليه وسلم قال لا تجزئ صلاة امرئ لا يقيم فيها صلبه في ركوعه وسجوده وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في التمهيد وقد أنكر العلماء على أبي حنيفة فيمن صار من الركوع إلى السجود ولم يرفع رأسه أنه يجزئه وقالوا هذا قول مخالف للسنة ولعلماء الأمة حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب النسائي عن إسماعيل بن مسعود عن خالد عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يحدث عن رسول الله قال اعتدلوا في الركوع والسجود وروى عبد الحكم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتدلوا في الركوع والسجود حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوراث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثني عبد الحكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعتدلوا في الركوع والسجود والله إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي وقد قال بن القاسم من رفع رأسه من السجود فلم يعتدل جالسا أو من الركوع فلم يعتدل قائما حتى سجد أو حتى خر راكعا فليستغفر الله ولا يعد ولا شيء عليه في صلاته وهذا مضارع لقول أبي حنيفة إلا أن بن القاسم قال من لم يرفع رأسه من الركوع فلا يعتد بتلك الركعة وهو قول مالك أنه قال من لم يرفع رأسه ويعتدل في ركوعه وسجوده ويقم في ذلك صلبه لم تجزئه صلاته وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار منهم أبو يوسف ومحمد والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وداود والطبري وذكر بن عبد الحكم عن مالك في ترك الاعتدال رخصة فقال عنه إذا رفع الإمام رأسه من الركوع ولم يعتدل قائما ثم أهوى ساجدا قبل أن يعتدل فإنه تجزئه صلاته والقول بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه الجمهور بالقبول أولى من كل ما خالفه وبالله التوفيق حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو حفص بن عمر النمري قال حدثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي مسعود البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهرة في الركوع والسجود وقد تقدم في هذا الكتاب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي لم يتم ركوعه وسجوده بالإعادة وقال له ارجع فصل فإنك لم تصل وكذلك فعل حذيفة بن اليماني برجل رآه لم يتم ركوعه وسجوده وقال له لو مت على هذا مت على غير ملة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا جماعة أهل العلم فيمن لم يقم صلبه من ركوعه وسجوده إلا أن ما بعد قيام الصلب والاعتدال عندهم من الطمأنينة والمكث قليلا ليس من الواجب ولكنه من الكمال وكذلك العمل عندهم في الأئمة والتخفيف على ما وصفنا لا يختلفون في ذلك لما وصفنا من الآفات والضعف والحاجات ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وأبي مسعود الأنصاري وعثمان بن أبي العاص أنه قال صلى الله عليه وسلم من أم الناس فليخفف فإن فيهم السقيم والكبير وذا الحاجة هذا معنى حديثهم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وروى أبو قتادة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مخافة أن أفتن أمه وروى أبو هريرة وأنس عنه النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي قتادة وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ إذ شكاه بعض قومه أنه يطول بهم أفتان أنت يا معاذ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى ونحوها وقد ذكرنا ذلك كله في مواضع من التمهيد والحمد لله قرأت على أبي القاسم أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم قال حدثنا حجاج عن بن جريج عن بن عجلان قال حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج قال حدثني معمر بن أبي حيية عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن عمر بن الخطاب أنه قال أيها الناس لا تبغضوا الله إلى عباده فقال قائل منهم وكيف قال يكون الرجل إماما للناس يصلي بهم فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه. 270- مالك عن نافع أنه قال قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري فخالف عبد الله بيده فجعلني حذاءه عن يمينه قال أبو عمر هذا من فعل بن عمر سنة وإجماع فالسنة ما رواه بن عباس وغيره في ذلك روى الحميدي عن بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه أخبره قال أخبرني كريب أنه سمع بن عباس يقول بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فصنعت مثل ذلك ثم جئت فقمت عن يساره فأخلفني فجعلني عن يمينه فصلى ما شاء الله ثم نام ولا خلاف بين العلماء أن هذه سنة مع إمام وحده أن يقوم عن يمينه فإن كان مع الإمام ثلاثة رجال سواه فالسنة المجتمع عليها أيضا أن يقوموا خلفه لا خلاف بين علماء الأمة في ذلك واختلفوا إذا كان مع الإمام اثنان فقالت طائفة يقوم الإمام بينهما روي ذلك عن بن مسعود ويه قال جماعة من فقهاء الكوفة وقال آخرون حكم الاثنين كحكم الثلاثة لا يقومون إلا خلفه كذلك حكم الاثنين في أكثر أحكام الصلاة حكم الجماعة وإلى هذا ذهب مالك والشافعي في حكم الرجلين مع الإمام أنهما يقومان خلفه ولا يقوم بينهما وأجمع العلماء أيضا أن من صلى بامرأة لا تقوم المرأة إلا خلفه ولا تقوم عن يمينه بخلاف الرجل وسيأتي حكم ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. 271- وذكر مالك في هذا الباب أيضا عن يحيى بن سعيد أن رجلا كان يؤم الناس بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز فنهاه قال وإنما نهاه لأنه كان لا يعرف أبوه قال أبو عمر هذه عندهم كناية كالتصريح لأنه كان ولد زنا فكره عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن ينصب مثله إماما لأنه خلق من نطفة خبيثة وقد روي أنه شر الثلاثة كما يعاب من حملت به إن كانت حائضا أو من سكران وإن كان هو في ذلك كله لا ذنب له وقد يحتمل أن يكون نهاه عن التعرض للإمامة لأنه فيها كمال وجمال حال بنفس صاحبها ويحسد عليها فمن كان لغير رشده وطلب ذلك فقد عرض نفسه للقول فيه وجعله غرضا للألسنة وأثار على نفسه من كان سكت عنه لو لم يضر في حاله تلك والله أعلم واختلف الفقهاء في إمامة ولد الزنى فقال مالك أكره أن يكون إماما راتبا قال وشهادته جائزة في كل شيء إلا في الزنى فإنها لا تجوز وهو قول الليث بن سعد وقال سفيان الثوري والأوزاعي لا بأس بأن يؤم ولد الزنى. وقال أبو حنيفة وأصحابه غيره أحب إلينا. وقال الشافعي أكره أن ينصب إماما لأن الإمامة موضع فضل وتجزئ من صلى خلفه صلاتهم وتجزيه وقال عيسى بن دينار لا أقول بقول مالك في إمامة ولد الزنى وليس عليه من ذنب أبويه شيء وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم لا أكره إمامة ولد الزنى إذا كان في نفسه أهلا للإمامة قال أبو عمر ليس في شيء من الآثار الواردة في شرط الإمامة في الصلاة ما يدل على مراعاة نسب وإنما فيه الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين. 272- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاك جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا. 273- مالك عن بن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن الحديث فيه ركوب الخيل لأهل الدين والفضل والتقلب عليها لما في ذلك من العزة والعون على جهاد العدو وقد روى ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا لأبي طلحة عريا في حين فرغ أهل المدينة لخيل أغار بها عيينة بن حصن أو ابنه عبد الرحمن على لقاح المدينة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لن تراعوا لن تراعوا ثم قال في الفرس لقد وجدته بحرا أو إن وجدناه لبحرا وهو مذكور بإسناده في التمهيد. وأما قوله جحش شقه فهو بمعنى خدش شقه وقد قيل الجحش فوق الخدش وحسبك أنه من أجله لم يقدر أن يصلي قائما فصلى قاعدا. وأما قوله في الحديث إنما جعل الإمام ليؤتم به فقد أجمع العلماء على أن الائتمام واجب على كل إمام بإمامه في ظاهر أفعاله الجائزة وأنه لا يجوز خلافه لغير عذر وقد روى معن بن عيسى في الموطأ عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ولا أعلم أحدا رواه عن مالك من رواة الموطأ بهذا الإسناد غير معن بن عيسى وفيه فلا تختلفوا عليه وليس في حديث بن شهاب وهشام بن عروة قوله فلا تختلفوا عليه وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف العلماء في صلاة ما كانت نيته فيها خلاف نية إمامه فقال مالك وأصحابه لا تجزئ أحد أن يصلي الفريضة خلف المتنفل ولا يصلي عصرا خلف من يصلي ظهرا ومتى اختلفت نية الإمام والمأموم في الفريضة بطلت صلاة المأموم دون الإمام وكذلك من صلى فرضه خلف المتنفل وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري وقول أكثر التابعين بالمدينة والكوفة وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فمن خالف في نيته فلم يأتم به وقال فلا تختلفوا عليه ولا اختلاف أشد من اختلاف النيات التي عليها مدار الأعمال واعتلوا في قصة معاذ برواية عمرو بن يحيى عن معاذ بن رفاعة الزرقي عن رجل من بني سلمة أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطويل معاذ بهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تحفف على قومك قالوا وهذا يدل على أن صلاته بقومه كانت فريضته وكان متطوعا بصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم قالوا وصلاة المتنفل خلف من يصلي الفريضة جائزة بإجماع العلماء على ذلك. وقال الشافعي والأوزاعي وداود والطبري وهو المشهور عن أحمد بن حنبل يجوز أن يقتدي في الفريضة بالمتنفل وأن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر فإن كل مصل يصلي لنفسه وله ما نواه من صلاته فالأعمال بالنيات ومن حجتهم أن قالوا إنما أمرنا أن نأتم بالإمام فيما يظهر إلينا من أفعاله فأما النية فمغيبة عنها ومحال أن نؤمر باتباعه فيما يخفى من أفعاله علينا قالوا وفي الحديث نفسه ما يدل على ذلك أنه قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وقد ذكرنا في التمهيد من زاد في هذا الحديث وإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا ولم تختلف الرواية فيه في قوله وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا فعرفنا أفعاله التي نأتم به فيها صلى الله عليه وسلم بما يقتدى فيه بالإمام وهي أفعاله إليهم من التكبير والركوع والسجود والقيام والقعود ففي هذا قيل لهم لا تختلفوا عليه قالوا ومن الدليل على صحة هذا التأويل حديث جابر من نقل الأئمة في قصة معاذ إذ كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينصرف فيؤم قومه في تلك الصلاة التي صلاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي له نافلة ولهم فريضة ولا يوجد من نقل من يوثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له إما أن تجعل صلاتك معي وإما أن تخفف بالقوم وهذا لفظ منكر لا يصح عن أحد يحتج بنقله ومحال أن يرغب معاذ عن الصلاة الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاته مع قومه وهو يعلم فضل ذلك وفضل صلاة الفريضة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه صلى الله عليه وسلم والدليل على صحة هذا التأويل أيضا قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فنهى أصحابه وسائر أمته أن يشتغلوا بنافله إذا أقيمت المكتوبة فكيف يظن بمعاذ أن يترك صلاة لم يصلها بعد ولم يقض ما افترض عليه في وقتها ويتنفل وتلك تقام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم قد قال لهم لا صلاة إلا المكتوبة التي تقام وقد روى بن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم هي له تطوع ولهم فريضة وهذا نص في موضع الخلاف قال بن جريج. وحدثت عن عكرمة عن بن عباس أن معاذا فذكر مثله سواء. وأما قوله في حديث مالك في هذا الباب وإذا صلى قائما فصلوا قياما فهذا كلام خرج على صلاة الفريضة وهذا ما لا خلاف فيه وقد أجمع العلماء على جواز صلاة الجالس خلف الإمام القائم في النافلة فدل على ما ذكرنا إلا أن المصلي جالسا في النافلة وهو قادر على القيام نصف أجر المصلي فيها قائما وأجمع العلماء على أن القيام في الصلاة المكتوبة فرض واجب لقول الله عز وجل ( وقوموا لله قنتين) [البقرة 238]. فلا يجوز لأحد أن يصلي مكتوبة قاعدا وهو قادر على القيام واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدا خلف إمام مريض لا يستطيع القيام فأجازت ذلك طائفة من أهل العلم اتباعا لهذا الحديث وما كان مثله في قوله صلى الله عليه وسلم وإذا صلى جالسا يعني من عذر فصلوا جلوسا أجمعون روي هذا من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وبن عباس وبن عمر وأنس وجابر بأسانيد صحاح وممن قال بأن الإمام إذا صلى جالسا لمرض أصابه صلى الناس خلفه جلوسا وهم أصحاء قادرون على القيام حماد بن زيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أخذا بحديث مالك هذا وما كان مثله واتباعا له وإليه ذهب بعض أصحاب الظاهر. وقال أحمد بن حنبل وفعله أربعة من الصحابة بعده أسيد بن حضير وقيس بن قهد وجابر بن عبد الله وأبو هريرة قال أبو عمر قد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وقال جمهور العلماء لا يجوز لأحد أن يصلي شيئا من الصلوات المكتوبات جالسا وهو صحيح قادر على القيام لا إماما ولا منفردا ولا خلف إمام ثم اختلفوا فمنهم من أجاز صلاة القائم خلف القاعد كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته للحديث الذي فيه صلاة أبي بكر وهو قائم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في مرضه الذي مات فيه والناس قيام خلفه مع أبي بكر ويأتي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى وممن قال بهذا الشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف وداود بن علي وقد روى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلي بالناس جالسا وهم قيام قال وأحب إلي أن يقوم بجنبه من يعلم الناس بصلاته وهذه الرواية غريبة عن مالك عند أصحابه وقال بن القاسم لا يأتم القائم بالجالس في فريضة ولا نافلة ولا بأس أن يأتم الجالس بالقائم قال ولا ينبغي لأحد أن يؤم أحدا في فريضة ولا نافلة قاعدا فإن عرض له ما يمنعه من القيام استخلف واحتج بن القاسم في ذلك بأن قال حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو مريض وأبو بكر يصلي بالناس فجلس إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر هو الإمام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بصلاة أبي بكر وقال ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته قال بن القاسم قال مالك والعمل عندنا على حديث ربيعة هذا وهو أحب إلي قال سحنون بهذا الحديث يأخذ بن القاسم وليس في الموطأ أن أبا بكر كان الإمام وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤتما والذي في الموطأ خلاف هذا أن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وهو قائم والناس قيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وذكر أبو مصعب في متخصره عن مالك قال لا يؤم الناس أحد قاعدا فإن أمهم قاعدا فسدت صلاته وصلاتهم قال فإن كان الإمام عليلا تمت صلاته وفسدت صلاة من خلفه قال ومن صلى قاعدا من غير علة أعاد الصلاة فعلى رواية أبي مصعب هذه عن مالك تجب الإعادة على من صلى قائما خلف إمام مريض جالس في الوقت وبعده وقد روي عن مالك أنهم يعيدون في الوقت خاصة وذلك والله أعلم لحديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر كان يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس وأبو بكر إلى جنبه قائم والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر ولما رواه في غير الموطأ عن ربيعة أن أبا بكر كان المقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بصلاته فلما رأى الاختلاف في ذلك احتاط فرأى الإعادة في الوقت لأن كلا قد أدى فرضه على حسب حاله وقد احتج محمد بن الحسن لقوله ومذهبه في هذا الباب بالحديث الذي ذكر أبو المصعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يؤم أحد بعدي قاعدا وهو حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث إنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي مرسلا وجابر الجعفي لا يحتج بما يرويه مسندا فكيف بما يرويه مرسلا. وأما قول محمد بن الحسن وأصحابه في هذا الباب فإنه قال إذا صلى الرجل لمرض به جالسا يركع ويسجد ولا يطيق إلا ذلك بقوم قيام يركعون ويسجدون فإن صلاته جائزة وصلاتهم باطلة وإن كان خلفه أحد جالسا لا يطيق القيام فحكمه حكم الإمام صلاته جائزة وصلاة من خلفه من قائم أو جالس يطيق القيام باطل وعليهم الإعادة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف صلاة القائمين خلفه جائزة وهو قول زفر واتفق أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في أن الإمام لو كان ممن لا يقدر إلا على الإيماء ولا يقدر على الجلوس ولا الركوع ولا السجود جالسا فاقتدى به في الإيماء قوم قيام يركعون ويسجدون لم تجزهم صلاتهم وأجزأت الإمام صلاته وكان زفر يقول تجزئهم صلاتهم لأنهم صلوا على فرضهم وصلى إمامهم على فرضه. 274- وذكر مالك أيضا في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه (فأتى ) فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر هذا مرسل في الموطأ وقد وصله حماد بن سلمة وبن نمير وأبو أسامة فرووه عن هشام عن أبيه عن عائشة وقد ذكرنا ذلك في التميهد وفي الحديث ما يدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا منسوخ لأن هذا الفعل كان سنة في علته التي مات منها صلى الله عليه وسلم وقوله الأول كان إذ صرع عن فرس فجحش شقه فصلى في بيته صلاة من الصلوات يعني المكتوبات جالسا وأشار إلى من خلفه أن يجلس وأمرهم أن يصلوا جلوسا إذا صلى إمامهم جالسا وفي هذا الحديث أن أبا بكر والناس كانوا قياما خلفه وهو قاعد فلم يشر إليهم بالجلوس ولا نهاهم عن فعلهم ذلك فعلم أن هذا ناسخ لما قبله فإن قيل إنه قد اختلف عن عائشة في حديثها هذا فروى عنها أن أبا بكر كان المقدم وروى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام المتقدم في تلك الصلاة قيل وليس هذا باختلاف لأنه قد يجوز أن يكون أبو بكر المقدم في وقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم في وقت آخر لأن مرضه كان أياما خرج فيها مرارا وقد روى الثقات الحفاظ أن أبا بكر كان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا وأبو بكر قائم والناس قيام وقد ذكرنا الآثار بذلك من الطرق الصحاح في كتاب التمهيد في باب مرسل هشام بن عروة والحمد لله وقد روى شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر وأكثر أحوال حديث عائشة في هذا الباب (عند المخالف أن يجعل متعارضا فلا يوجب حكما) وإذا كان (ذلك) كذلك لم يحتج بشيء منه ورجعنا إلى حديث بن عباس فإنه لم يختلف فيه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه يهادي بين رجلين فانتهى إلى أبي بكر وهو يؤم الناس فجلس إلى أبي بكر وأخذ من الآية التي انتهى إليها أبو بكر فجعل أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر وقد ذكرنا خبر بن عباس هذا من طرق في التمهيد فأوضحنا معناه هناك. وأخبرنا عن العلة الموجبة لقيام أبي بكر وقيام الناس معه بعد أن كان هو الإمام في أول تلك الصلاة وأنهما لم يكونا إمامين في صلاة واحدة كما زعم من أراد إبطال الحديث بذلك وأن ذلك إنما كان لأن الإمام يحتاج أن يسمع من خلفه تكبيره ويظهر إليهم أفعاله وكانت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرضه حال من يضعف عن ذلك فأقام أبا بكر إلى جنبه لينوب عنه في إسماع الناس التكبير ورؤيتهم لخفضه ورفعه ليقتدوا به في حركاته وهو جالس والناس وأبو بكر وراءه قيام وصحت بذلك النكتة التي بان فيها أن صلاة القائم خلف الإمام المريض جائزة وأن قوله فصلوا جلوسا منسوخ وقد بينا أن ما روي عنه صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحد بعدي قاعدا منكر باطل لا يصح من جهة النقل وكذلك حديث ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع لا يصح أيضا ولا يحتج بمثله على الآثار الثابتة الصحاح من نقل الأئمة وبالله التوفيق وهذه المسألة فيها للعلماء أقوال أحدها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه تجوز صلاة الصحيح جالسا خلف الإمام المريض جالسا لقوله صلى الله عليه وسلم وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا والثاني قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف وزفر والأوزاعي وأبي ثور وداود جائز أن يقتدى القائم بالقاعد في الفريضة وغيرها لأن على كل واحد أن يصلي كما يقدر عليه ولا يسقط فرض القيام عن المأموم الصحيح لعجز إمامه عنه وقد روى الوليد بن مسلم عن مالك مثل ذلك والثالث قول مالك في المشهور عنه وعن أصحابه أنه ليس لأحد أن يؤم جالسا وهو مريض بقوم أصحاء قيام ولا قعود وهو مذهب محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فإن صلوا قياما خلف إمام مريض جالس فعليهم عند مالك الإعادة قيل عنه في الوقت وقيل أبدا قال سحنون اختلف قول مالك في ذلك ومن أصحاب مالك من قال يعيد الإمام المريض معهم وأكثرهم على أنهم يعيدون دونه. وقال مالك والحسن بن حي والثوري ومحمد بن الحسن في قائم اقتدى بجالس أو جماعة صلوا قياما خلف إمام جالس مريض إنها تجزيه ولا تجزيهم واختلف أصحاب مالك في إمامة المريض بالمرضى جلوسا كلهم فأجازها بعضهم وهو قول جمهور الفقهاء وكرهها أكثرهم وهو قول بن القاسم ومحمد بن الحسن. وأما قوله في حديث مالك عن بن شهاب عن أنس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا فإنه يدل على أن عمل المأموم يكون بعقب عمل الإمام وبعده فلا فصل لقوله إذا ركع وهذا يقتضي ركوعه وكذلك يقتضي قوله وإذا رفع رفعه فإذا حصل من الإمام الركوع والرفع والسجود فعل المأموم بعده واختلف قول مالك في ذلك فروي عنه أن عمل المأموم كله مع عمل الإمام ركوعه وسجوده وخفضه ورفعه ما خلا الإحرام والتسليم فإنه لا يكون ذلك إلا بعد عمل الإمام وبعقبه وروي عنه مثل ذلك أيضا ما خلا الإحرام والقيام من اثنتين والسلام وكان شيخنا أبو عمر (رحمه الله) يذهب إلى الرواية الأولى ورأيته مرات لا أحصيها كثرة يقوم مع الإمام في حين قيامه من اثنتين قبل اعتداله وقبل تكبيره ولا يراعي اعتداله وتكبيره وكان يقول هي أصح عن مالك قياسا على سائر حركات البدل في الصلاة أنها يكون فيها عمل المأموم مع عمل الإمام إلا ما يبتدئ به منها الإمام وقد روي عن مالك أيضا أن الأحب إليه في هذه المسألة أن يكون عمل المأموم بعد عمل الإمام وبعقبه في كل شيء وقد ذكرت في التمهيد حديث أبي موسى الأشعري أنه علم أصحابه الصلاة وسننها فقال في الحديث وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم وقال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وقال أبو بكر الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل متى يكبر من خلف الإمام ومتى يركع فذكر الحديث إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ثم قال يتبعه في كل شيء يصنعه كلما فعل شيئا فعله بعده وهو معنى قول الشافعي. وأما قوله في حديث بن شهاب عن أنس أيضا في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فإنه يقتضي ما قاله مالك ومن قال بقوله في ذلك إن الإمام يقتصر على قول سمع الله لمن حمده دون أن يقول ربنا ولك الحمد وإن المأموم يقتصر على قول ربنا ولك الحمد دون أن يقول سمع الله لمن حمده وهو حجة على من قال يقول الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما يقول المنفرد وإن المأموم كذلك يقول أيضا ولا أعلم خلافا أنه المنفرد يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد أو ولك الحمد وإنما اختلفوا في الإمام والمأموم فقالت طائفة من أهل العلم إنما يقول الإمام سمع الله لمن حمده فقط ولا يقول ربنا ولك الحمد وممن قال ذلك أبو حنيفة ومالك وأصحابهما والليث بن سعد وحجتهم ظاهر حديث بن شهاب عن أنس هذا وما مثله وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد بن حنبل يقول الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما يقول المنفرد وحجتهم حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن أبي أوفى فكلهم حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. وقال الشافعي ويقول الإمام أيضا سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد كما يقول الإمام والمنفرد لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأحمد بن حنبل لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده وإنما يقول ربنا ولك الحمد فقط وحجتهم حديث بن شهاب هذا عن أنس حديث هذا الباب وحديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وفي هذا الحديث أيضا دليل على ما اختاره مالك من قوله ربنا ولك الحمد بالواو ذكره بن القاسم وغيره عنه وحكى الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل ثبت الواو في ربنا ولك الحمد وقال روى الزهري فيه ثلاثة أحاديث أحدها عن أنس والثاني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والثالث عن سالم عن أبيه (يعني حديث رفع اليدين) وقال في حديث علي (رضي الله عنه) اللهم ربنا ولك الحمد بالواو والله الموفق للصواب لا رب غيره. 276- ذكر فيه مالك عن حديث (عبد الله بن) عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين أحدهما عن إسماعيل بن محمد بن سعد والثاني عن بن شهاب مرسلا عن (عبد الله بن) عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم وفي حديث بن شهاب تفسير لحديث إسماعيل بقوله فيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يصلون في سبحتهم قعودا يعني في نافلتهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الأمراء المؤخرين للصلاة عن ميقاتها صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة يعني نافلة وهذه اللغة في السبحة أن المراد بها النافلة معروفة في الصحابة مشهورة وهم أهل اللسان فدل هذا على أن المعنى الذي خرج عليه الحديث صلاة النافلة وأوضح ذلك الإجماع الذي لا ريب فيه فإن العلماء لم يختلفوا أنه لا يجوز لأحد أن يصلي منفردا أو إماما قاعدا فريضته التي كتبها الله عليه وهو قادر على القيام فيها وأن من فعل ذلك ليس له صلاة وعليه إعادة ما صلى جالسا فكيف يكون له أجر نصف القائم وهو آثم عاص لا صلاة له وقد تقدم ما للعلماء في معنى قوله في الإمام المريض يصلي قاعدا بقوم أصحاء إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا وأجمعوا أن فرض القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير قال الله عز وجل (وقوموا لله قنتين) [البقرة 238]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفل جالسا فبان بهذا أن النافلة جائز أن مثل نصف يصليها إن شاء قاعدا ومن شاء قائما إلا أن القاعد فيها على مثل أجر القائم وهذا كله لا خلاف فيه والحمد لله وقد أوضحنا الآثار بمعنى ما قلنا في التمهيد في باب مرسل بن شهاب وباب إسماعيل أيضا والدليل على أن القيام يسمى قنوتا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل أي الصلاة أفضل قال طول القنوت يعني طول القيام لا خلاف نعلمه عند أحد في ذلك واختلف العلماء في كيفية صلاة القاعد في النافلة وصلاة المريض وسنذكره في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق. ذكر فيه مالك ثلاثة أحاديث مسندة أحدها 277 عن بن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدا قط حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعدا ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكلف في علم النافلة ما كان أعظم أجرا فلما شق عليه القيام الطويل دخل فيما أباح الله له وفيه دليل على أن السبحة اسم لصلاة النافلة وإن كان في اللغة جائزا أن تسمى كل صلاة سبحة بدليل قول الله عز وجل (فلولا أنه كان من المسبحين) [الصافات 143]. قالوا من المصلين ولكن اسم السبحة بالسنة وقول الصحابة لزم النافلة دون غيرها والله أعلم وقد أوضحنا ذلك بالشواهد في التمهيد وقوله فيه فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها يعني إذا لم ترتل الأخرى وهز فيها وفي ذلك دليل على أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترتيلا لا هزا وبذلك أمره الله (عز وجل) فقال (ورتل القرآن ترتيلا) [المزمل 4]. والترتيل التمهل والترسل الذي يقع منه التدبر. 278- والثاني حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع والمعنى في هذا الحديث نحو المعنى في الذي قبله إلا أن في هذا رد قول من قال لا يكون المصلي في بعض صلاته قاعدا وفي بعضها قائما والذي عليه جمهور العلماء فيمن افتتح صلاة النافلة قاعدا أنه لا بأس أن يقوم فيها ويقرأ بما أحب على ما في الحديث وما كان مثله واختلفوا فيمن افتتحها قائما ثم قعد فقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي ويجوز أن يقعد فيها كما يجوز له أن يفتتحها قاعدا وقال الحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد يصلي قائما ولا يجلس إلا من ضرورة لأنه افتتحها قائما وقال بن جريج قلت لعطاء افتتحت الصلاة قائما فركعت ركعة وسجدت ثم قمت أفأجلس إن شئت بغير ركوع ولا سجود قال لا وهذا يدل من قول عطاء أنه من صلى ركعة بسجدتيها قائما كان له أن يقعد في الثانية ما لم يقف فيها فإن قام فيها لم يجلس كما قال أبو يوسف فأما المريض فقال أبو القاسم في المريض يصلي مضطجعا أو قاعدا ثم يخفف عنه المرض ويجد القوة أنه يقوم فيما بقي من صلاته ويبني على ما مضى منها وهو قول الشافعي وزفر والطبري. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن صلى مضطجعا ركعة ثم إنه يستقبل الصلاة من أولها ولو كان قاعدا يركع ويسجد ثم صح بنا في قول أبي حنيفة ولم يبن في قول محمد. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا افتتح الصلاة قائما ثم صار إلى حال الإيماء يبني وروي عن أبي يوسف أنه يستقبل. وقال مالك في المريض الذي لا يستطيع الركوع ولا السجود وهو يستطيع القيام والجلوس أنه يصلي قائما ويومئ إلى الركوع فإذا أراد السجود جلس فأومأ إلى السجود وهو قول أبي يوسف وقياس قول الشافعي. وقال أبو حنيفة وأصحابه يصلي قاعدا. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إذا صلى مضطجعا تكون رجلاه ما يلي القبلة مستقبل القبلة. وقال الشافعي والثوري يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة وجائز ذلك أيضا عند مالك. وأما اختلاف العلماء في كيفية صلاة القاعد في النافلة وصلاة المريض فذكر بن عبد الحكم عن مالك في المريض أنه يتربع في قيامه وركوعه فإذا أراد السجود تهيأ للسجود فيسجد على قدر ما يطيق وكذلك المتنفل قاعدا وقال الثوري يتربع في حال القراءة والركوع ويثنى رجليه في حال السجود فيسجد وهذا نحو مذهب مالك أيضا وكذلك قال الليث. وقال الشافعي يجلس المتنفل في صلاته كلها كجلوس التشهد هذه رواية المزني عنه وقال البويطي عنه يصلي متربعا في موضع القيام. وقال أبو حنيفة وزفر يجلس كجلوس الصلاة في التشهد وكذلك يركع ويسجد وقال أبو يوسف ومحمد يكون متربعا في حال القيام وحال الركوع وقد روي عن أبي يوسف أنه يتربع في حال القيام ويكون في حال ركوعه وسجوده كجلوس التشهد.
|